يحق لشعوب العالم الثالث أن تُذهل بنجاح التجربة التركية، فهي شقيقة بالجغرافيا، وهي شريكة بالتاريخ، وهي بالأمس القريب كانت تشبهنا من حيث المديوينة العالية والفساد المالي والإداري والضائقة الاقتصادية وضعف الإنتاج وسوء استغلال الموارد وفساد الطبقة السياسية التي تسيّر البلاد.. فكان أمام قادة تركيا خياران، إما أن يعظّموا ثرواتهم ويفقروا بلادهم ويوغلوا في ضعفها ودمارها، وإما أن ينهضوا بوطنهم بعد أن يعالجوا القضايا العالقة بإرادة حقيقية وإدارة فاعلة.
وأمام هذين الخيارين، اختار قادة تركيا الخيار الثاني.. شيئا فشيئا عادت تركيا إلى مجدها، وتحوّلت من مأمور تنفيذ عند الدول الكبرى شأنها شأن أي دولة في المنطقة، إلى لاعب أساسي على طاولة القرار.. وكأنها تقول لكل الذين يراقبونها بعين الأمل أو عين الخوف: عندما تكون قويا من الداخل لن يهزمك أحد.
ولكن بالقدر الذي تشكّل فيه تركيا حلماً وأملاً للشعوب العربية وشعوب المنطقة كنموذج حي للنجاح عندنا تؤتى الفرص.. فهي كابوس للأنظمة الفردية الديكتاتورية المتسلّطة، فالأخيرة لا تتمنّى الفشل لتركيا الحديثة وإبطال مفعول النموذج المحترم في المنطقة وحسب، بل تسعى إلى ذلك بكل ما أوتيت من قوّة.. فالفاسد تزكم أنفه رائحة النظافة، والراسب يكره سلوك الناجحين حتى لا تنكشف عيوبه أمام رفاقه.
على كل، تركيا الحديثة قالت كلمتها ومضت.. وحتما سيكون التقارب علامة فارقة لو أن نماذج أخرى لدول في الشرق الأوسط تنجح ليعتدل ميزان قارب الشرق والغرب.. وعندها ستتحقق أحلام الشعوب الطيبة الطموحة المثابرة النائمة على طهارة الموقف.. وتموت اختناقا الديكتاتوريات المتخمة بفساد النخب الحاكمة.. وتذهب كوابيسها شخيراً فارغاً أو بقبقة غريق.
يهمنا رأيك حول الموضوع نرجو وضع تعليق برأيك ...