أخر الاخبار

الراسخون في العلم - د. يسري الشباسي

الراسخون في العلم - د. يسري الشباسي

الرسوخ هو الثبات وعدم الإنحراف أو الميل أو الرضوخ لأي قوى خارجية .. وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت هناك قوى مضادة للتثبيت أقوى من تلك القوى الخارجية مجتمعة.

الراسخون في العلم - د. يسري الشباسي

الرسوخ في العلم لا علاقة شٓرطية له بالجلوس طويلا بين أيادي العلماء ولا بالحصول على أعلى الشهادات العلمية .. كم من أمي تراه راسخاً في العلم و كم من حاصل على الدكتوراه تراه يميل مع الرياح وقد ينفلت كليةً.

العلم الحقيقي مصدره واحد فقط وهو ما علمه ربنا تبارك وتعالى لأبينا آدم وما ترسخ في فطرتنا عند الخلق الأول في عالم الذر - " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ " (الأعراف 172)

هذه النسخة من العلم الأصلي في فطرة كل إنسان تكون بمثابة مقياس الصدق لكل ما يتعرض له الإنسان من معلومات فتراه يحكم بقلبه على صدق أو كذب المعلومات التي تصله سمعياً أو بصرياً ولذلك كان توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في الفتوى -
عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)

هذا الحديث الشريف يؤكد أن العلم الحقيقي لا يشترط دراسات مطولة ولا شهادات عليا خاصة فيما يتعلق بالحلال والحرام.

لكن النسخة الفطرية من العلم الرباني تحتاج إلى تماس مع قلب صاحبها لكي يستمر نبع العلم في فيضانه إلى القلب ومنه إلى الجوارح من أعضاء الجسم.

تماس القلب مع نسخة العلم الفطرية لا يتم إلا في غياب الحواجز بينهما .. كلما زادت المعاصي زاد النسيان وكلما زاد النسيان علت الحواجز بين القلب ونبع العلم الفطري .. عندئذ يقل الرسوخ في العلم ويصير المرء خفيفاً تأخذه الآراء في كل الإتجاهات وقد تقلعه من أرض العلم ثم تذروه الرياح.

الراسخون في العلم هم الذين يتقون الله في كل أعمالهم وبتقواهم أدام الله لهم التماس بين قلوبهم وبين نبع العلم الفطري في أنفسهم بل قد أفاض على بعضهم من ينابيع العلم من خارج أنفسهم -

" ... وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " (البقرة 282) 
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ ...
(العنكبوت 49)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا
الْعَالِمُونَ (العنكبوت 43)


د. يسري الشباسي
10 أبريل 2019
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -