أخر الاخبار

الصفقة الجيوسياسية .. واشنطن تغدر - د.يسري الشباسي

الصفقة الجيوسياسية .. واشنطن تغدر

كتبت منذ يومين مقالة تحت عنوان "الصفقة الجيوسياسية بين واشنطن وموسكو .. تحليل موقف" .. حيث رأيت أن الأحداث تشير إلى إتفاقية مقايضة سياسية (سيب وأنا أسيب) بين واشنطن وموسكو مفادها أن ترحل روسيا عن مناطق النفوذ الأميركية في الشرق الأوسط مقابل أن ترحل أميركا عن حدود روسيا الجغرافية في أوكرانيا وشرق أوروبا.

الصفقة الجيوسياسية .. واشنطن تغدر

تم تدشين الخطة التنفيذية للصفقة في 24 فبراير الماضي ويبدو أن الجدول الزمني في حسابات روسيا للإنتهاء من جزئية الحرب على أوكرانيا كان لا يتعدى أسبوعاً أو أسبوعين على الأكثر.

فوجئت روسيا والمتابعون من خارج المطبخ السياسي الأميركي بأحداث كثيرة تشير إلى "الخروج عن النص" المتفق عليه في كلا الجبهتين .. الجبهة الروسية الجغرافية والجبهة الأميركية الجيوسياسية.

علامات "الخروج عن النص" في الجبهة الروسية الجغرافية -

1- المقاومة الأوكرانية الشديدة على مستوى القيادة السياسية وعلى المستوى الميداني بشقيه العسكري والمدني.
2- تبدل الموقف السياسي لكل من بولندا ودول البلطيق بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن من التردد إلى الجرأة على روسيا.
3- إنضمام كازاخستان "المبكر جداً" إلى حلف المساعدين لأوكرانيا.
4- ظهور لهجة تصالح "مبكرة جداً" من قبل أرمينيا تجاه عدوتها التاريخية تركيا.

علامات "الخروج عن النص" في الجبهة الأميركية الجيوسياسية -

1- التوقف "المبكر جداً" لمباحثات الملف النووي الايراني في فيينا.
2- دخول مجلس التعاون الخليجي"المبكر جداً" إلى اللعبة وإعلان إستعداده للتفاوض مع حوثي اليمن.
3- زيارة أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي لأذربيجان.
4- تصالح اليونان "المبكر جداً" مع عدوتها التاريخية تركيا.
5- توقف إسرائيل عن منح تأشيرات ليهود أوكرانيا.

هذا الخروج عن النص على كلا الجبهتين في المجالين الجغرافي والجيوسياسي لروسيا أدى إلى إختلال شديد في ميزان القوى بين واشنطن وموسكو مما فتح شهية الولايات المتحدة الأمريكية للغدر بالعهد الذي قطعته مع روسيا الخاص بالمقايضة السياسية "سيب وأنا أسيب".

هذا الغدر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ليس جديداً عليها ولا على الكفار عموما كما أخبرنا رب العالمين سبحانه وتعالى - كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (التوبة 8)

لقد كانت المقاومة الأوكرانية الشديدة على المستويين السياسي والميداني السبب الرئيسي لتشجيع اللاعبين على الخروج عن النص سواء في مجال روسيا الجغرافي (خاصة دول البلطيق وكازاخستان وأرمينيا) أو في مجالها الجيوسياسي (خاصة في إيران وأجنحتها الأربعة).

نكوص الولايات المتحدة عن العهد في المقايضة السياسية تعني التعديل الآتي :

1- توقف روسيا عن دعم إيران وأجنحتها الأربعة وعن دعم أرمينيا واليونان وكازاخستان.
2- الخروج من أوكرانيا. مقابل رفع العقوبات المالية والتجارية الدولية عن روسيا.

هذا التعديل الذي يبدو لي حتى الآن في الأفق السياسي يذكرني بالسيناريو الأميركي لتدمير العراق حيث :-

1- شجعوا صدام (الآن بوتين) على إحتلال الكويت (الآن أوكرانيا).
2- جيشوا العالم كله ضد صدام (الآن بوتين).
3- أجبروا صدام على الخروج من الكويت بالقوة العسكرية (الآن يجبرون بوتين بالقوة المالية).
4- حاصروا صدام بترولياً وغذائيا حتى وصل الأمر إلى المقايضة الخسيسة "النفط مقابل الغذاء".

السيناريو الآن يشير إلى مقايضة روسيا على "الخروج من أوكرانيا مقابل رفع العقوبات المالية والتجارية عنها" مع فقدانها لنفوذها السياسي في مجالها الجغرافي في شرق أوروبا وكازاخستان وكذلك في مجالها الجيوسياسي في الشرق
الأوسط واليونان.

لا أتوقع أن يستسلم بوتين لتلك المقايضة دون مقاومة وأكبر علامة على ذلك هو ما أعلنته أوكرانيا اليوم من منع التجوال في العاصمة كييف لمدة 36 ساعة متواصلة وهو ما يعني وجود معلومات لدى أوكرانيا بأن بوتين سوف يكثف من هجومه في الساعات القليلة القادمة على كييف من باب المغامرة العسكرية الإنتحارية أو كما يقول المصريون "يا طابت يا إتنين عور" (عندما يغامر الأعور بعينه السليمة).

لم تترك الولايات المتحدة الأمريكية لبوتين الآن إلا خيارين كلاهما مر .. إما أن ينتحر سياسياً وينسحب من أوكرانيا أو أن ينتحر شعبياً ويعيد الشعب الروسي إلى حقبة الإتحاد السوفيتي حيث الجوع والقمع.

سبحان الله .. لقد أوغل بوتين في دماء المسلمين على مدار أكثر من عشرين عاماً في الشيشان والقوقاز وسوريا وليبيا ودعم الصين والهند في تقتيلهما للمسلمين من أجل تنصيب نفسه قيصرا روسيا جديداً ثم هاهو ذا يفقد كل ذلك أو يكاد في أقل من شهر.

لقد حفظت عن أمي يرحمها الله مثلاً شعبياً عن مآلات الظلم يقول - "إللي تجمعه النملة في سنة يأخذه الجمل في خفه".

د. يسري الشباسي
15 مارس 2022
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -