التذكير بآيات الله .. إستخراج المياه الجوفية
يعجب كثير من الناس من قلة عدد الذين يستجيبون للتذكير بآيات الله وسننه في الأرض ويعجبون أكثر من الدعاة الذين لا يملون أمر الدعوة إلى الله رغم قلة الإستجابة لدعواهم.آيات الله وسننه مطمورة في قلب كل إنسان مسلم أو كافر وهي ما يعرف بالفطرة أو بالضمير - ... فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ... (الروم 30)
يولد الطفل على الفطرة ثم يتعرض بعد ذلك لفتن الشياطين ليس من أجل تبديل تلك الفطرة بل من أجل تغطيتها لأن الفطرة يستحيل تبديلها كما قال الله تعالى في الآية الكريمة أعلاه "لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ".
تغطية الفطرة هو الكفر لغة وفقها ومنه أشتقت الكلمة باللغة الإنجليزية cover الكفر إذن لا يمحو الإيمان الفطري بل هو فقط يغطيه .. بقاء الإيمان الفطري كامنا في قلوب الكفار هو أمر جعله الله سبحانه وتعالى للناس رحمة وعدلا ..
رحمة بهم في الدنيا ليكون مرجعاً لمن أراد التوبة .. وعدلا لهم في الآخرة ليكون عليهم حجة.
تذكير الناس بآيات الله وسننه في الأرض هو عمل الرسل ومن إقتدى بهم من المؤمنين - الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (الأحزاب 39)
عملية التذكير بآيات الله وسننه هي مجرد محاولة لإخراج الإيمان الفطري من أعماق القلوب لكي يفيض على بقية أعضاء الجسم (الجوارح) فتلتزم بأوامر الله ونواهيه.
الدعاة إلى الله لا يضعون في قلوب الناس إيماناً جديداً بل إنهم فقط يحاولون إخراج الإيمان القديم المطمور في قلوب الناس منذ زمن الخلق الأول - وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛشَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (الأعراف 172)
الدعوة إلى الله أو التذكير بآيات الله وسننه في الأرض هي مثل عملية إستخراج الماء من باطن الأرض .. عمل الدعاة ينحصر في غرس أنبوب في باطن الأرض .. فإن إستطاع الأنبوب أن ينفذ من الصخور التي تغطي المياه الجوفية تدفقت المياه وفاضت على سطح الأرض .. وإن كانت الصخور عصية على الأنبوب بقي الماء حبيسا في باطن الأرض.
الصخور التي تغطي الإيمان الفطري في أعماق القلوب وتمنعه من التدفق إلى الجوارح .. هذه الصخور هي مكتسبة وليست خلقية وتتراكم مع الوقت عناصرها من الذنوب - عن حُذَيْفَةُ بن اليمان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ (صحيح مسلم).
كلما تراكمت الذنوب على قلب الإنسان كلما ثخن الغطاء على مخزن الإيمان الفطري وكلما صار غرس أنبوب الدعاة عصيا عن الوصول إلى ماء الإيمان الجوفي. هذا هو سبب قلة الإستجابة للدعاة .. ولكن الدعاة لا ييأسون لسببين .. أولهما
أنهم لا يستطيعون معرفة مدى صلابة الصخور التي تغطي الإيمان الفطري عند إنسان معين فلربما وفقهم الله إلى الأنبوب المناسب للغرس في ذلك الصخر - إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص 56)
وثانيهما أن الدعوة إلى الله هي في حد ذاتها واجب على كل ذي علم وهي له عذر إلى الله يوم القيامة -
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (الأعراف 164)
الدعوة إلى الله هي عمل المرسلين ومن إقتدى بهداهم - أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (الأنعام 90)
الإستجابة للدعاة هو أمر محبب لكن عدم الإستجابة ليس مبررا للتوقف عن الدعوة إلى الله - ۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ ... (البقرة 272)
د. يسري الشباسي
31 مارس 2022
يهمنا رأيك حول الموضوع نرجو وضع تعليق برأيك ...