أخر الاخبار

الصفقة الجيوسياسية بين واشنطن وموسكو .. تحليل موقف.. د.يسري الشباسي

الصفقة الجيوسياسية بين واشنطن وموسكو .. تحليل موقف

كتبت مقالتين بخصوص أوكرانيا أحدهما قبل بداية الغزو الروسي تحت عنوان "واشنطن وموسكو يد واحدة" والثانية بعد أسبوعين من بداية الغزو تحت عنوان "بوتين إشترى أوكرانيا من بايدن".

كتبت مقالتين بخصوص أوكرانيا أحدهما قبل بداية الغزو الروسي تحت عنوان "واشنطن وموسكو يد واحدة" والثانية بعد أسبوعين من بداية الغزو تحت عنوان "بوتين إشترى أوكرانيا من بايدن".

ذكرت في المقالتين ما أراه من أن ما يجري في أوكرانيا هو في ظاهره صراع بين واشنطن وموسكو ولكنه في باطنه صفقة كبرى جيوسياسية لإعادة رسم مناطق النفوذ بينهما في الشرق الأوسط وأوروبا.

اليوم وبعد مرور ثلاثة أسابيع على مقالتي الأولى بدأت تظهر بعض الأدلة على تلك الصفقة التي أزعم صحتها.

الصفقة كما زعمت هي أن تسيطر موسكو على الدول التي تقع في مجالها الجغرافي وخاصة أوكرانيا على الأقل سياسياً مقابل أن تنسحب من مناطق النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط وتوقف دعمها لإيران.

عندما إنسحب ترامب من الإتفاق النووي الإيراني كان يهدف إلى تعديلين رئيسيين أولهما تخلي إيران عن دعم أجنحتها الأربعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وثانيهما تخلي إيران عن مشروعها للصواريخ الباليستية.

ظلت إيران تناور بخصوص هذين التعديلين طيلة السنوات الخمس الماضية ولم تفلح الولايات المتحدة الأمريكية في ثني بوتين عن دعم إيران فلجأت أميركا إلى سياسة خلق أزمات لروسيا في مجالها الجغرافي فكانت حرب كراباخ ثم أزمة كازاخستان والآن حرب أوكرانيا وقبل ذلك كله سحب بايدن قواته من أفغانستان كي لا تتعرض لإنتقام قوات روسيا وأذنابها في الإقليم.

عندما يكون ميزان القوى بين دولتين متقاربا فإنه لا يمكن لأحدهما حسم أمر أي خلاف بينهما عسكرياً خاصةً في ظل وجود الرادع النووي لكل منهما .. في هذه الحالة تلجأ أحدهما لسياسة المقايضة السياسية أو كما يقول المصريون "سيب وأنا أسيب".

نجحت أميركا في إضعاف روسيا في مجالها الجغرافي حيث أنجحت أذربيجان في طرد الأرمن المدعومين من روسيا من معظم إقليم كاراباخ .. كذلك أنجحت توكاييف في طرد جماعة نزارباييف إبن الإتحاد السوفيتي السابق من السيطرة على القرار السياسي في كازاخستان .. والآن أميركا جيشت كل أسلحتها الإعلامية والمالية لإفشال بوتين في آخر قلاعه في أوكرانيا.

المعادلة الآن أو الصفقة هي أن يرحل بوتين عن منطقة نفوذ أميركا في الشرق الأوسط مقابل أن ترحل أميركا عن المجال الجغرافي لروسيا .. فهل تتم الصفقة أم أن المتضررين يعرقلونها.

تعلمنا في علم التخطيط ما يسمى "تحليل موقف" Situational analysis حيث ننظر إلى العوامل الداعمة والعوامل المناهضة لأي خطة لتقييم الموقف ولإستشراف النتائج.

فيما يختص بالصراع الحالي الذي عنوانه الرئيس "حرب أوكرانيا" نجد أن علامات الدعم للصفقة هي كالتالي :


1- ضعف السيطرة الروسية على القرار السياسي في مجالها الجغرافي وعلامات ذلك -
1.1- تغيير القيادة السياسية في أرمينيا وزيارة وزير الخارجية الأرمني لتركيا الداعمة لأذربيجان.
1.2- لقاء نزارباييف الرئيس السابق لكازاخستان مع أردوغان في تركيا.
1.3- إقتراب طالبان من الإعتراف الدولي بها حاكمة لأفغانستان.
1.4- إقتراب القوات الروسية من السيطرة على كييف عاصمة أوكرانيا خاصة بعد إستخدام روسيا للصواريخ الباليستية اليوم في ضرب غرب أوكرانيا.

2- ضعف السيطرة الروسية على مجالها الجيوسياسي في الشرق الأوسط وعلامات ذلك - 2.1- توقف عمليات النظام السوري العسكرية ضد المعارضة السورية مع ترحيل شبيحة الأسد خارج سوريا بحجة القتال في أوكرانيا بجوار الجيش الروسي.
2.2- توقف حزب الله اللبناني عن إستفزاز إسرائيل وعن إعاقة عمل الحكومة اللبنانية.
2.3- توقف هجمات الحشد الشعبي ضد المصالح الأميركية في العراق.
2.4- التوقف المفاجئ لمباحثات الملف النووي الايراني في فيينا.

أما علامات المناهضة لتلك الصفقة فهي كالتالي :

1- المقاومة الشديدة لبعض القادة العسكريين في الجيش والمخابرات الأوكرانية ومقتل بعضهم في ظروف غامضة.
2- تمرد بعض القادة الأرمن والقيام بأعمال عسكرية إستفزازية في إقليم كاراباخ.
3- إطلاق صواريخ باليستية من الحرس الثوري الإيراني على القنصلية الأمريكية تحت الإنشاء في أربيل العراق.
4- إرتفاع وتيرة الهجمات الحوثية على السعودية.
5- تمرد القيادة السياسية في شرق ليبيا على حكومة الوحدة الوطنية وإستخدام فتحي باشاغا لشق الصف في غرب ليبيا.

تحليل الموقف يقول أن خطة صفقة التبادل الجيوسياسي بين واشنطن وموسكو تسير بخطى حثيثة رغم محاولات الإعاقة من المتضررين وخاصة في أوكرانيا وكاراباخ وإيران واليمن وليبيا.

نجاح الصفقة الجيوسياسية تعني على أقل تقدير النتائج التالية -

1- توقف الحروب الأهلية أو تخفيضها للحد الأدنى في كل من سوريا واليمن وليبيا.
2- إعادة الإستقرار السياسي لكل من العراق ولبنان.
3- بداية إضطرابات داخل إيران وعلى حدودها مع أذربيجان والعراق.
4- توقف الصراع على الغاز في شرق البحر المتوسط بين محور تركيا ومحور اليونان .. اليوم تم لقاء رئيس الوزراء اليوناني مع أردوغان في إسطنبول.

غزو روسيا لأوكرانيا ليس إلا العنوان لرسالة زلزال جيوسياسي تتحرك بإذن الله تعالى على إثره صفائح الأرض سياسياً في الشرق الأوسط وشرق أوروبا وقد يمتد الأثر إلى غرب أوروبا.

د. يسري الشباسي
13 مارس 2022
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -