أخر الاخبار

علاج الغلاء .. بين آدم سميث والخلفاء الراشدين

علاج الغلاء .. بين آدم سميث والخلفاء الراشد



غلاء الأسعار يؤرق معظم الناس لأنه يمس الإحتياجات المادية للجسد وما ينتج عن ذلك من أضرار للروح.


غلاء الأسعار هو أحد أهم وسائل السيطرة السياسية على طبقات عريضة من المجتمع.

آدم سميث هو الإقتصادي الاسكتلندي الذي ألف كتاب"ثروة الأمم" ونشره عام 1776 ويعتبر أحد معالم تطور الفكر الاقتصادي الرأسمالي حيث رفض تدخل الحكومة في الاقتصاد ونادى بوجوب تركه لقوى العرض والطلب.

علاج الغلاء عند آدم سميث يقوم على نظريته التي يقول فيها أن "الأسواق تصحح نفسها" نتيجة التفاعل بين قوى العرض والطلب في تحديد سعر سلعة ما .. فإذا قل الطلب إنخفض السعر بشرط ألا يقل العرض (المعروض من المنتج في الأسواق).

"الأسواق تصحح نفسها" هو مبدأ صحيح نظرياً ولكن عند توفر شروط التجارة الحرة وأهم تلك الشروط هو "منع الإحتكار".

تدعي كل الحكومات وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أنها تمنع الإحتكار في أسواقها .. لكن الواقع يكذب تلك الإدعاءات وإليك دليلان فقط على ذلك -

١- مبدأ التوكيلات التجارية لإستيراد أصناف معينة من البضائع مثل السيارات فلا يسمح إلا لتاجر واحد فقط في البلد بإستيراد سلعة معينة .. أليس ذلك إحتكارا.

٢- مبدأ التكتلات بين التجار (الكارتلات) حيث يجتمعون على تحديد الحد الأدنى لأي سلعة ومن ينزل عن ذلك الحد يحاربونه حرباً ضروسا دون أدنى حماية من الدولة.

الدولة مهما كان سلطانها لن تستطيع منع الإحتكارات أو التكتلات عند التجار لسبب واحد بسيط لكنه مهلك ألا وهي الرشوة أو ما يسمونه بالفساد وهي التي قال الله تعالى فيها -
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة 188)

وهي التي لعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنه، قال: لعَنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الراشيَ والمرتشيَ.

إذن فإن نظرية آدم سميث في أن الأسواق تصحح نفسها اعتماداً على تفاعل قوى العرض والطلب هي نظرية غير قابلة للتطبيق العملي بسبب تفشي الرشوة في المجتمعات وما ينجم عنها من إحتكارات وتكتلات تحول دون نجاح قوى العرض والطلب.

التشريع الإسلامي هو مجموعة الأنظمة التي شرعها الله تعالى للأمة الإسلامية في القرآن الكريم أو في السنة النبوية وكذلك باجتهادات الفقهاء فما ثبت فيه نص شرعي يقال لـه شـريعة وما تقرر بالاجتهاد في ضوء النص يقال له فقه .. وإتباع سنة الخلفاء الراشدين هو من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلقد ورد في الحديث الصحيح - ... فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ ...

كل من الخليفة عمر بن الخطاب والخليفة علي بن أبي طالب قد دلنا على الطريق لعلاج الغلاء عند فساد التجار والحكام بعيداً عن نظرية "الأسواق تصحح نفسها" حيث عالجا مشكلة غلاء الأسعار إعتمادا أيضاً على تفاعل قوى العرض والطلب ولكن بأيدي الناس وليس بأفكار الحالمين بالمدينة الفاضلة.

أما الخليفة عمر بن الخطاب فقد إعتمد منهج (إستراتيجية) المقاطعة - جاء في الأثر أن الناس جاءوا الخليفة عمر وقالوا:
نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ .. حتى قال لهم قولته الرائعة "اتركوه لهم".

أما الخليفة علي بن أبي طالب فقد إعتمد منهج (إستراتيجية) الإستبدال - غلا التمر في مكة فكتب الناس إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب غلا علينا فكتب أن أرخصوه بالتمر أي استبدلوه بشراء التمر فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص.

وهكذا عالج عمر وعلي مشكلة غلاء الأسعار بأيدي الناس وليس بالخطب والمواعظ على المنابر ولا بمطاردة التجار الجشعين.

لابد لكل فرد أن يتحمل مسؤوليته تجاه المجتمع وألا يركن على الدولة أو الوعاظ .. التجار هم الفجار ولا يردعهم قانون ولا موعظة .. لا يردعهم إلا بوار بضاعتهم حتى تفسد - عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا ، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ) أخرجه الترمذي.

د. يسري الشباسي
١٤ يناير ٢٠٢٣
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -