أخر الاخبار

العام والخاص .. الشريعة والعقيدة (الجزء الأول)

العام والخاص .. الشريعة والعقيدة (الجزء الأول)

د.يسرى الشباسي


تتفق القوانين في كل دول العالم على مبدأ الفصل بين ما هو عام وبين ما هو خاص في شأن الحريات .. فالحرية الشخصية هي كل عمل يتعلق بالفرد دون أن يتعدى ضرره إلى الآخرين وهذا هو الخاص من الحريات والتي تحميها قوانين معظم الدول.

أما العام فهو كل عمل فردي يتعدى ضرره صاحبه إلى الآخرين في المجتمع وهذا ليس من الحريات بل تحرمه قوانين كل الدول و تجرمه وتعاقب فاعله.

الإسلام عقيدة وشريعة .. فالعقيدة هي كل ما يتعلق بالقلب من أمور الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .. أما الشريعة فإنها عبارة عن مجموع القوانين التي تنظم معاملات الناس بعضهم البعض في حفظ الحقوق المالية منها والإجتماعية بل والسياسية.

الحريات في الإسلام تفصل أيضا بين الخاص والعام .. فالعام منها هو في أمور الشريعة والتي تنظم معاملات الناس بعضهم البعض ماليا وإجتماعيا وسياسيا .. وهذا العام ليس فيه مكان للحرية الشخصية (الفردية) لأن أي ضرر ينتج من هكذا حرية لا يصيب فاعله فقط بل يتعداه إلى من حوله وهذا محرم في الإسلام بل في كل الأعراف.

الخاص من الحريات هو فقط في العقيدة أي في حرية الإيمان بالله أو الكفر به ولكن بشرط ألا يتعدى ضرر كفره بالله إلى من حوله في أمرين إثنين :-
1- ألا يصد الناس عن الإسلام سواء بالقهر أو بالتدليس.
2- ألا يخالف قوانين الشريعة الإسلامية العامة والتي تنظم المعاملات الإنسانية

حفظا للحقوق المالية والإجتماعية والسياسية.

في ظل تلك المقدمة يمكننا فهم التناقض - الذي يدعيه الكفار والمنافقون - بين الحديث الصحيح وبين الآية القرآنية الكريمة
الحديث : -
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول
الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى ) رواه البخاري ومسلم .
الآية القرآنية : -

{ لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي } ( البقرة : 256 ) .

الآية القرآنية تقرر الحرية الكاملة للفرد في أن يؤمن بالله أو أن يكفر به سبحانه .. وهذا أمر بديهي لأن مسألة الإيمان بالله أو الكفر به هي مسألة قلبية ولا يستطيع أي حاكم أن يحكم القلوب في أفعالها أو أن يعلم محتواها .. هذا من الناحية العملية أما من ناحية العدل الإلهي فإن الله سبحانه وتعالى قد قرر حرية الإختيار للناس بين الإيمان أو الكفر لكي يتحقق العدل في إستحقاق الجنة أو النار في الحياة الآخرة لأنه لا حساب في غياب حرية الإختيار.

أما الحديث النبوي الصحيح فإنه يقرر قتال الذين يصدون الناس عن الإسلام بالقهر المادي والنفسي وبالتدليس .. القتال ليس لمن إختار الكفر ولم يتعدى كفره المجال الخاص به إلى المجال العام بالصد عن سبيل الله قهرا أو تدليسا .. إنما القتال لمن يصد عن سبيل الله من الكفار والمنافقين.

الإسلام يفصل بين الإعتقاد (العقيدة) وبين القانون العام (الشريعة) .. ليس هناك حرية في الشأن العام (الشريعة) بل الحرية الشخصية مجالها فقط في مسألة العقيدة بشرط ألا يتعداها إلى العام بالصد أو بالمخالفة.

المجال هنا لا يتسع للمحاججة في تفوق قوانين الشريعة الإسلامية على غيرها من قوانين من ناحية النفع العام للناس رغم أن كثيراً من الأنظمة الغير إسلامية حولت بعض قوانينها إلى ما يوافق قوانين الشريعة الإسلامية بعدما أدركوا فوائدها على مجتمعاتهم .. لكن الحديث هنا تحديداً عن المقصد الرئيسي للفتوحات الإسلامية وهو تعبيد الأنظمة لقوانين الشريعة الإسلامية وليس تعبيد الناس لله كرها بل منع الإكراه في الكفر تماماً مثل منع الإكراه في الإيمان بالله.

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى ) .. يعني أن يقاتل الذين يصدون عن سبيل الله "حتى" تتوفر الحرية للناس في الإختيار الحر ما بين الإيمان أو الكفر .. هذا المعنى أيضا في قوله تعالى ( لا إكراه في الدين) أي لا إكراه في الكفر أو الإيمان.

البعض يفهم الآية ( لا إكراه في الدين) من جهة واحدة فقط وهي حرية الكفر بينما الصحيح هو أنها تقرر عدم الإكراه في التدين من عدمه .. أي أنه لا إكراه في الإيمان أو في الكفر.

بناء على ذلك فإن قتال الذين يكرهون الناس على الكفر بالله يجب أن يكون حقا في نفس مستوى حق عدم إكراه الناس على الإيمان بالله.

يتبع بإذن الله تعالى ..

د. يسري الشباسي
24 أكتوبر 2021

المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع ... 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -