أخر الاخبار

كشف الغطاء .. في الحياة الدنيا - د. يسري الشباسي

كشف الغطاء .. في الحياة الدنيا

كشف الغطاء .. في الحياة الدنيا - د. يسري الشباسي

ذكرت سابقاً في مقالاتي حول الذاكرة أن الله سبحانه قد أودع في ذاكرة كل إنسان نسخة من العلم الحق فيما يتعلق -

١- بأنه سبحانه هو ربنا بلا شريك له.
٢- و بالعلم الخاص بشئون الدنيا والمخلوقات.

هذه النسخة الفطرية من العلم الحقيقي مطمورة في ذاكرة كل إنسان ويصل أثر هذا العلم إلى القلب ومنه إلى سائر الجوارح (بقية الأعضاء) لكي تهتدي إلى الصواب من القول والفعل.

الغفلة عن ذكر الله وعبادته تكون بمثابة الحاجز الذي يمنع التواصل بين الذاكرة الفطرية وبين القلب فلا يعود القلب يتلقى توجيهات الهداية من خزانة العلم الحق فيضل وتضل بعده الجوارح.

هذه الغفلة التي تحجز العلم الفطري يكشفها الله سبحانه عن قلب كل إنسان في وقت الإحتضار (الموت) فيرى الإنسان الحقيقة (عين اليقين) ويقارنها بما فعل في حياته الدنيا فيسعد بعمله الذي وافق الحقيقة ويندم على عمله الذي خالف الحقيقة.

كشف غطاء الغفلة يحدث أيضاً لبعض الناس في حياته الدنيا إما بشكل كلي أو بشكل جزئي.

كشف غطاء الغفلة يسميه البعض "الشفافية" وتعتمد درجة الإنكشاف على مدى بعد الإنسان عن الذنوب .. فكلما قلت ذنوب العبد كلما زادت درجة إنكشاف غطاء الغفلة فتزداد شفافية القلب عنده ولا يوجد على الأرض عبد بلا ذنوب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قد غفر له كل ذنوبه ولذلك فإن إنكشاف غطاء الغفلة عند رسول الله محمد كان إنكشافا كليا - لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (الفتح 2)

لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق 22)

الذنوب تخفض درجة إنكشاف غطاء الغفلة ولذلك فإن الإنكشاف هو إنكشاف جزئي وليس كليا عند أحد من الناس .. ولكن هناك صنف من الناس ليس له ذنوب ولذلك فإن الإنكشاف عندهم هو إنكشاف كلي.

الأطفال ليس عليهم ذنب حتى يبلغوا سن الحلم - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ.

ولذلك فإن الأطفال لديهم إنكشاف كلي على خزينة العلم الحق.

هذا يدعونا إلى أن نستفيد من هذا الأمر من ناحيتين - الأولى هي ألا نرغم الطفل على عمل ما (قول أو فعل) هو يصر على عدم عمله أو ننهاه عن عمل ما هو يصر على عمله .. إلا الأمور التي بها خطر صريح عليه.

الثانية هي أن نسترشد بأراء الأطفال ولا نستهين بها وقديما قالوا "خدوا فالكم من عيالكم".

الطفل قبل الحلم عنده شفافية كاملة تحميه من المخاطر لكننا لا نراها في معظمها بسبب ضعف التعبير الكلامي عند الطفل .. من هنا تأتي أهمية فهم لغة الجسد.

سبحان الله .. الإنكشاف الكلي يأتي للإنسان مرتين .. في بداية حياته وعند مماته لكن في المرتين يحول إنعقاد اللسان (جزئياً في الأولى وكليا في الثانية) عن وصف ما يرى لمن حوله .. ذلك حتى تتساوى الفرص لمن لا يزالون في الإبتلاء
وحفظا للأسرار.

د. يسري الشباسي
5 أغسطس 2021
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -