أخر الاخبار

الصبر على الحكم .. والصبر للحكم..د.يسري الشباسي

الصبر على الحكم .. والصبر للحكم

الصبر على الحكم .. والصبر للحكم

الصبر هو إمساك جوارح النفس عن الفعل إلى أَجَلٍ.. إنتظاراً لأمرٍ ما. بهذا التعريف يتضح الفرق بين الصبر الذي هو تاجيلٌ للفعل وبين الإستسلام الذي هو توقف الفعل توقفاً نهائياً وهذا يخالف طبيعة الإنسان المؤمن بالله -

'' وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ '' (آل عمران 146)

الصبر هو تأجيل للفعل - أو رد الفعل - بينما الإستسلام هو غياب الفعل - أو رد الفعل - وهو علامة الموت.

الإنسان الحي يصبر لأحد هدفين .. إما إنتظاراً لتغير ميزان القوى لصالحه أو إنتظاراً لوصول النصر.

عندما يمسك الإنسان جوارحه عن العمل إنتظاراً لتغير ميزان القوى لصالحه فإن ذلك صبرٌ ''على'' الحكم وهو صبر من يعمل من أجل مكسب من مكاسب الدنيا والصابر هنا لا يضمن معه نصراً مؤكداً في وقتٍ لاحق لأن النصر يعتمد كليةً - في تلك الحالة - على ميزان القوى المادي البحت بين طرفي النزاع.

أما من يعمل لله قدر إستطاعته فإنه منتصرٌ لا محالة دون أدنى إعتبار لميزان القوى المادي -

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ (174) - سورة الصافات.

من كانت مجاهدته لله وحده وبذل أقصى إستطاعته فليس عليه بعد ذلك إلا الصبر إنتظاراً ''لحكم'' الله والذي هو نصرٌ أكيدٌ وإن لم يراه الغافلون كذلك - '' وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ '' (الطور 48).

صبر المخلصين لله الذين جاهدوا قدر إستطاعتهم إنما هو إنتظارٌ لمجيئ سهمٍ قد أُرسل ولنصرٍ قد أُبرمَ حكمُه من لدن من لا يُرَدُّ له حُكْمٌ سبحانه - '' وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ... ''

الصابر على الحكم ضعيفٌ ينتظر تغير ميزان القوى لصالحه لينقض على خصمه غدراً.. وسبب ضعفه هو نيته في الإنتصار لنفسه وليس لله.

أما الصابر للحكم فإنه قويٌ لأنه قد عمل جندياً لله وهذا هو سر قوته لأن الله سبحانه قد ضمن له النصر ولذلك تراه لا يحارب خصمه غدراً لأن الغدر شيمة الضعفاء وهو قويٌ بجنديته لله فليس بحاجةٍ للغدر لأنه منصورٌ بسلطان الله -

'' وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ '' (الأنفال 58)

المجاهد في سبيل الله يتصف بالصفات التالية :

1- الثبات وعدم اليأس -

'' وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ '' (آل عمران 146)

2- الطمأنينة والإستبشار .. فتراه مبتسماً ينشر الثقة بنصر الله بين الناس ويحفزهم على الصبر الجميل لحكم الله.

3- عدم الجزع من الأحداث الثقيلة .. فتراه ثابتاً في نفسه ويخفف الأمر على الناس ويذكرهم بأن الأمر كله بيد الله وحده -

'' وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا '' (الأحزاب 22)

4- عدم تبديل المواقف والثبات على المبدأ - '' مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا '' (الأحزاب 23)

5- عدم الغدر أو الخيانة في مواجهة الخصوم - '' وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ '' (الأنفال 58)

الصبر لحكم الله هو صبرُ من يفتح النافذة إنتظاراً لشروق الشمس التي لابد لها أن تطلع في وقتها الذي حدده لها خالقها ... أما من يشكك في طلوع الشمس فإن عليه أن يخلع عن بصره الغشاوة أو فليذهب إلى طبيب العيون.

د. يسري الشباسي

16 مارس 2017

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -