نكسة 1967 .. إنهيار جدار التغريب د. يسري الشباسي
لا تكاد تجد كاتباً عربياً إلا وينظر إلى حرب يونيو 1967 نظرة حزينة وهي الحرب التي إحتلت فيها دولة إسرائيل أراض من الأردن ومصر وسوريا.
اليوم وبعد مرور أكثر من 55 سنة على تلك الحرب أجد نفسي بلا مقدمات أضع نتائج تلك الحرب على ميزان القوى الحقيقية للإنسان .. قوة الدين.
حديثي هنا عن الواقع العربي الديني قبل وبعد نكسة 1967 هو في معظمه من واقع ما شاهدته وفي بعضه من واقع ما قرأته.
قبل النكسة وحتى وفاة عبد الناصر لم يكن للدين في مصر من مظاهر على مستوى الأفراد أو المجتمع ..
كان العري والخمر والزنا قد وصل إلى درجة التطبيع (المعروف) بينما الحشمة والتقوى قد وصلت إلى درجة الإنكار ..
كانت المساجد خالية إلا من بعض كبار السن وكانت التحية بين الناس من نوعية صباح الخير، مساء الخير ، عوافي .. إلخ ولا تكاد تسمع تحية المسلمين "السلام عليكم " ..
كانت باريس ولندن ثم نيويورك تمثل المرجعية للناس في الملبس والمأكل وأسلوب الحياة ومن يفعل غير ذلك فهو متخلف ورجعي وفلاح أو في أحسن الحالات "بلدي" ..
كانت المكتبات تعج بتراجم كتب الفلسفة والأدب الغربي ثم جاءت كتب الماركسية والشيوعية ومجلات العري والجنس .. أما الكتب الدينية فلا تكاد تراها إلا بجوار الجامع الأزهر ..
أما الأفلام والمسرحيات فكانت تعكس كل ما سبق بالإضافة إلى المشترك الأعظم بينهم وهو السخرية من معلمي اللغة العربية والدين الإسلامي.
هذا التغريب في كل مناحي الحياة الإجتماعية والثقافية والتعليمية بدأ فعلياً بعدما تسلم محمد علي باشا حكم مصر في عام 1805وخاصة بعد البعثات التعليمية التي أرسلها إلى باريس فعادت بكل ما في باريس من سوءات.
تغلغل تغريب المصريين عن دينهم وثقافتهم على مدار القرن التاسع عشر بعدما بدأ الضعف يدب في أوصال دولة الخلافة العثمانية حتى سقطت في بداية القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى ..
تأسست جماعة الإخوان المسلمين بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية مباشرة وهو الأمر الذي كان له أكبر الأثر في إبطاء عجلة التغريب ليس في مصر فقط ولكن في كل بلدان المسلمين.
بغض النظر عن الرأي الشرعي والسياسي في جماعة الإخوان المسلمين فإن هناك حقيقتان لا يمكن القفز فوقهما تاريخياً .. الحقيقة الأولى هي أن الجماعة أعادت للأمة الإسلامية روحها الدينية التي كادت تختفي تحت عجلات التغريب المستمرة لأكثر من قرن من الزمان قبل نشأة جماعة الإخوان المسلمين .. أما الحقيقة الثانية فهي أن جماعة الإخوان المسلمين قد حافظت على الكيان البنيوي للأمة الإسلامية أو ما يسمى في علم الإدارة بالهيكلية والتي بدونها ينهار أي نظام سياسي أو إجتماعي أو ثقافي.
بعدما قفز عبدالناصر وزمرته على السلطة في مصر أدركوا فوراً ضرورة إعادة المصريين إجتماعيا وثقافياً إلى أسلوب الحياة الذي إنتشر بينهم قبل نشأة الإخوان المسلمين وإلا فلن تتمكن تلك المجموعة من الضباط الطامحين في السلطة بلا أدنى تأهيل .. لن يستطيعوا السيطرة على هذا العدد من الناس (ثلاثين مليونا في ذلك الوقت) ..
عمدت مجموعة الضباط الطامحين إلى محاربة جماعة الإخوان المسلمين من ناحية .. ومن ناحية أخرى ركزت كل جهدها على تسريع عجلة التغريب للمجتمع المصري والذي إعتمد في أساسه على الإعلام الموجه خاصة في الراديو والتليفزيون الذي بدأ بثه في العام 1960.
تسارع التغريب المجتمعي بوتيرة عالية جداً منذ أن قفزت مجموعة الضباط الطامحين على السلطة حتى صار التغريب جداراً سميكاً يحول بين المسلمين في مصر بالذات وبين دينهم .. حتى حدثت الهزيمة العسكرية الكبرى لأكبر ثلاثة جيوش عربية على أيادي حفنة من العصابات اليهودية خلال ستة أيام من الحرب في يونيو 1967.
كانت الصدمة شديدة على المصريين بالذات خاصة عندما إكتشفوا البون الشاسع بين الواقع وبين ما يصوره لهم إعلام عبدالناصر .. إكتشفوا الخدعة الكبرى وسقط جدار الوهم الناصري ..
مع سقوط جدار الوهم الناصري سقط أيضا جدار التغريب المجتمعي لأنه كان الرافعة التي إعتمدها الإعلام الناصري لتسويق الوهم الناصري .. كان الإرتباط العضوي بين الجدارين كفيلاً بحتمية السقوط المزدوج ..
سقط الوهم الناصري في 1967 وسقط معه جدار التغريب فكان لابد لشمس الإسلام أن تشرق من جديد على ربوع أرض الكنانة .. هذا هو أجمل ما جاءت به نكسة 1967 .. لقد كانت نكسة لتغريب الأمة عن دينها .. الآن فهمت لماذا سجد الشيخ محمد متولي الشعراوي يرحمه الله سجود الشكر لله عندما سمع بهزيمة 67 .. لقد سجد شكرا لله أن أسقط جدار التغريب عن مصر الأزهر.
قد يقول قائل أن كثيراً من الناس في مصر الآن بعيدون كل البعد عن الدين ..
أقول له "كلامك صحيح" لكن هناك فرق كبير بين فجور الناس قبل 1967 وفجورهم الآن ..
قبل 1967 كان الناس يفجرون علانية يلا أدنى خجل لأنهم كانوا على قناعة بأن الدين خرافة كما صور لهم الشيوعيون الناصريون .. كان الكفر لهم دينا ..
أما الآن فإن معظم الذين يعصون الله يفعلون ذلك سرا ويعلمون أنهم عصاة بل إن كثيراً منهم يسألون الله التوبة ..
ما قبل 67 كان معظم العصاة من الناس يسلكون مذهب إبليس الذى عصى الله وكابر وجادل وظن أنه على الحق -
... قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (الأعراف 12)
أما بعد 67 فإن معظم العصاة من الناس أقرب إلى مذهب آدم عليه السلام الذى عصى الله لكنه لم يكابر بل إعترف بذنبه وإستغفر - قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الأعراف 23)
لذلك أنا أحمد الله على هزيمة 1967 التي أسقطت جدار التغريب عن مصر .. والتي أذابت عقيدة الكفر الشيوعية كما يذوب الملح في الماء .. والتي أعادت مذهب آدم وحواء في الإستغفار إلى العصاة - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال إبليس: يا رب وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم،
فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
رواه أحمد بإسناد حسن.
طبيب/ يسري الشباسي
7 سبتمبر 2022
فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
رواه أحمد بإسناد حسن.
طبيب/ يسري الشباسي
7 سبتمبر 2022
يهمنا رأيك حول الموضوع نرجو وضع تعليق برأيك ...