أخر الاخبار

الذكر .. البرمجة مقابل الإرادة الحرة .. د. يسري الشباسي

الذكر .. البرمجة مقابل الإرادة الحرة


ملخص المقالة

1- البرنامج التشغيلي الفطري للإنسان يحتوي على عقيدة التوحيد والعلم.
2- الإلتزام بالبرنامج الفطري يضمن سلامة الجسم عضوياً ونفسياً.
3- الإرادة الحرة للإنسان تسمح بالتواصل بين الفطرة وأعضاء الجسم أو تمنعها
جزئياً أو كلياً.
4- لا توجد أي قوة على الأرض تستطيع التحكم في الإنسان تحكم الآلة وذلك بسبب
وجود الإرادة الحرة والتي هي خاصية غير قابلة للفناء.
5- الذاكرة هي مكان حفظ البرنامج التشغيلي الفطري بغرفتيه .. الخارجية وفيها
عقيدة التوحيد والداخلية وفيها العلم الضروري لتدبير شؤون المخلوقات على الأرض.
6- مفتاح العلم في الغرفة الداخلية يستحيل الحصول عليه إلا من خلال المرور
بغرفة التوحيد الخارجية.
7- البرنامج التشغيلي الفطري محمي في حصون الذاكرة ويستحيل تبديله .. ولكن
يمكن حجبه بالإرادة الحرة في وضعها لستائر النسيان.
8- النسيان هو أصل الداء والذكر هو رأس الدواء.
9- الذكر باللسان أو حتى بالقلب هو مجرد أداة لإستخراج المطمور في الفطرة من
عقيدة التوحيد والعلم .. والذكر أيضاً هو مقص لقطع ستائر النسيان التي تحول
بين البرنامج التشغيلي الفطري وبين أعضاء الجسم المختلفة.

تفاصيل المقالة

تعلمنا في علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) أن لكل عضو برنامج تشغيلي تفاعلي لا يخرج عنه وأن المخ هو العضو المسؤول عن التنسيق بين الأعضاء المختلفة تجنباً لوقوع تضارب في الأداء.

أما في علم الأمراض (الباثولوجيا) فلقد تعلمنا أن المرض يظهر عندما يخرج العضو عن البرنامج التشغيلي الخاص به.

النفس الإنسانية كذلك لها برنامج تشغيلي تفاعلي مدمج built-in يسميه المؤمنون "الفطرة" بينما يسميه الكافرون "الطبيعة".

الفطرة هي البرنامج التشغيلي العام للإنسان لكي يعمل بكفاءة وطمأنينة ويحميه من المعيشة الضنك - وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ... (طه 124)

البرنامج التشغيلي الفطري للإنسان هو من صنع الخالق سبحانه وتعالى وهو يحتوي على غرفتين تحيط الخارجية منهما بالداخلية.

الغرفة الخارجية للبرنامج الفطري تحتوي على "عقيدة التوحيد" أما الغرفة الداخلية فتحتوي على "العلم" الضروري لتدبير شؤون المخلوقات على الأرض .. ولا يمكن الولوج للغرفة الداخلية قبل الحصول على "مفتاحها" في الغرفة الخارجية .. مفتاح الغرفة الداخلية هو عقيدة التوحيد.

البرنامج التشغيلي الفطري للإنسان بغرفتيه "التوحيد والعلم" مطمور في مكان ما داخل الإنسان إسمه "الذاكرة".

خلق الله سبحانه وتعالى آدم وعلمه - " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ... " (البقرة 31)

ثم أخرج ذريته كلها من ظهره ليشهدوا بأن الله سبحانه هو ربهم - وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (الأعراف 172)

وهكذا تمت صناعة الفطرة (البرنامج التشغيلي للإنسان) ثم أودع في "الذاكرة".

الذاكرة إذن هي مكمن الفطرة (التوحيد والعلم) وهي محمية من التبديل - ... فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه ... (الروم 30)

الذاكرة محمية من التبديل لكنها ليست محمية من "الحجب" عن التواصل مع أعضاء الجسم المختلفة.

عندما ينقطع التواصل بين الذاكرة وأعضاء الجسم بصورة جزئية أو كلية فإن أعضاء الجسم "تتحرر" من برنامج التشغيل الفطري جزئياً أو كلياً.

لا يمكن لأي مخلوق أن يحيا بدون برنامج تشغيلي وبالتالي فإن "التحرر" من البرنامج التشغيلي الفطري يتطلب وجود برنامج تشغيلي "بديل".

الإنس والجن فقط لديهم برنامج تشغيلي بديل بينما بقية مخلوقات الله ليس لديها ذلك البديل ولذلك فهي على الفطرة بلا إرادة حرة.

البرنامج التشغيلي البديل إسمه "الإرادة الحرة" والتي هي مجرد بوابة لعبور تعليمات البرنامج التشغيلي الفطري أو لمنعها من العبور إلى السلطات التنفيذية لأعضاء الجسم.

الإرادة الحرة للإنسان هي إذن خاصية القدرة على الإختيار .. لكن مجال الإختيار محدود أيضا فإما القبول بالتعليمات الفطرية أو رفضها ولا مجال هنا للخلق أو الإبداع .. وهذا يجيب على معضلة التعارض الظاهري بين إرادة الله وإرادة الإنسان (من الممكن أن أفرد مقالة خاصة لهذا الأمر بإذن الله تعالى).

إرادة الإنسان لها حدان أحدهما نافع والآخر ضار وهذا هو سر المسؤولية الفردية أمام الله تعالى والحساب يوم القيامة.

الحد النافع للإرادة الحرة هو حماية الإنسان من إجتيال (إضلال) الشياطين لهم .. وهذا أيضاً دليل قوي على إستحالة تحكم ما يسمونه "الذكاء الإصطناعي" في الإنسان كما يدعون .. خاصية "الإرادة الحرة" تفشل كل مشاريع التحكم في الإنسان من خلال الذكاء الإصطناعي أو غيره من الإختراعات.

أما الحد الضار للإرادة الحرة فيحدث عندما تتحول الإرادة الحرة إلى سد أو ستارة تحول دون تواصل الذاكرة وبرنامجها التشغيلي الفطري مع أعضاء الجسم المختلفة .. هذه الستارة التي تحجب الذاكرة هي "النسيان".

النسيان هو أصل الداء والذكر هو رأس الدواء .. لذلك ترى الله تعالى يدعونا للذكر في عشرات الآيات في قرآنه الكريم.

الذكر باللسان أو حتى بالقلب هو مجرد آلة حفر لإستخراج الْخَبْءَ في الذاكرة من توحيد وعلم .. الذكر هو أيضاً المقص الذي يقطع ستائر النسيان ليعيد التواصل مع أعضاء الجسم المختلفة.

وضع ستائر النسيان بين الفطرة وأعضاء الجسم يؤدي إلى خلل في أدائها الوظيفي (الفسيولوجي) مما يصل بها إلى الأمراض العضوية والنفسية (الباثولوجية).

هذا على مستوى الحياة الدنيا .. أما في الآخرة فإن البرنامج التشغيلي الفطري للإنسان والإرادة الحرة يمثلان الأساس القضائي يوم القيامة .. ولله الأمر من قبل ذلك ومن بعده ورحمته سبقت غضبه فتعالى الله في جبروته وتعالى الله فى رحمته.

طبيب/ يسري محمد زكريا الشباسي
31 أغسطس 2022
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -