الموهبة والمناهج التعليمية .. إعادة النظركثيراً
ما نسمع أن التعليم يصقل الموهبة ويطورها وأن الموهبة بدون دراسة تذهب أدراج الرياح.
من خلال تجربتي الشخصية ونظري فيمن حولي من أصحاب المواهب يمكنني القول أن مقولة "التعليم يصقل الموهبة" فيها نظر وتحتاج إلى تفصيل أو إعادة النظر.
دعونا أولا نتعرف إلى حقيقة الموهبة من ناحية وحقيقة المناهج التعليمية من ناحية أخرى لكي ننظر هل يتعاونان أم يتعارضان.
الموهبة في حقيقتها هي نافذة مفتوحة على كنز العلوم الفطرية الكامنة في كل نفس أودعها الله تعالى في ظهر أبينا آدم عليه السلام.
كنز العلوم الفطرية يحتوي على نوعين من العلوم .. العلم الذي علمه ربنا تبارك وتعالى لأبينا آدم ثم إنتقل لذريته .. والعلم الذي إكتسبناه مما رأيناه في الجنة في فترة عالم الذر -
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (الأعراف 172)
هذه العلوم الفطرية بمصدريها هي العلوم الوحيدة التي ليس فيها أدنى شك .. فالأول هو من الخالق سبحانه وتعالى والثاني تم إكتسابه قبل أن يتسلط إبليس اللعين على أبينا آدم وذريته.
الموهبة إذن ينهل صاحبها من علوم لا يشوبها أدنى شك ولذلك تجدها متميزة رائقة لامعة براقة تهفو إليها النفوس وتشتاق.
المناهج التعليمية في حقيقتها هي خليط من خبرات بعض المتخصصين في أحد العلوم بالإضافة إلى بعض التعديل والإنتقاء لأسباب سياسية.
القسم الأول من مصدري المناهج التعليمية الخاص بالخبرات لا يستوفي معايير المصداقية بسبب إنحصاره في بعض المتخصصين وبسبب إنحصاره في فترة زمنية محددة.
أما التعديل والإنتقاء لأسباب سياسية فهو ينسف مصداقية المناهج التعليمية من أساسها.
المناهج التعليمية إذن مصداقيتها متردية جداً خاصة في أزمان التردي السياسي وما أكثرها.
أما الموهبة فهي نبع من كنز العلوم الفطرية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها من العزيز الحكيم.
عندما تضع صاحب الموهبة في صندوق المدارس النظامية بمناهجها ذات المصداقية المتردية فإن ذلك يؤدي إلى أحد أمرين حسب قوة إرادة صاحب الموهبة.
إن كان قوي الإرادة فسوف يترك المدارس النظامية وينمي موهبته بالطريقة الصحيحة أو على الأقل يغلق سمعه وبصره عن العلوم الكاذبة والتي يميز كذبها بفطرته الوهاجة.
أما إن كان ضعيف الإرادة فإن بقاءه في ماكينة التعليم النظامي وعدم فرزه للمناهج التي تملى عليه سوف ينتج عنه نسخة هجينة من موهبة مشوهة.
الطريقة الصحيحة لتنمية الموهبة يختارها صاحب الموهبة ولا تفرض عليه فرضا من أصحاب المناهج التعليمية.
كل صاحب موهبة يعلم بالفطرة ما يحتاج إليه من "أدوات" تمكنه من "تحويل" موهبته من أفكار نظرية إلى وقائع عملية.
صاحب الموهبة لا يحتاج إلى "إضافة علوم" .. بل إلى "إضافة أدوات".
أدوات تحقيق الموهبة تتغير مع الزمن ولذلك لا تجدها في خزانة الكنز الفطري للعلوم والذي ينهل منه صاحب الموهبة.
الطبيب الجراح الموهوب مثلاً تجده يتميز بأمرين :
الأمر الأول هو أنه ينتقي من المناهج الجراحية ما يتماهى مع نبع العلوم الفطرية الذي ينساب من ذاكرته إلى قلبه ويلفظ ما دون ذلك من مناهج طبية.
الأمر الثاني فهو أنه يبحث عن الأدوات الجراحية التي تمكنه من تحقيق ما يأتيه من أفكار علمية طبية .. فإن لم يجدها إبتكرها أو حاول ذلك على أقل تقدير.
لذلك ترى صاحب الموهبة يعاني كثيراً في زمننا هذا الذى ساد فيه الهوس السياسي بالسيطرة على كل الناس تحت شعار "الجودة" .. الجودة هي كلمة حق يراد بها باطل.
المناهج التعليمية النظامية تشوه الموهبة .. والنظم السياسية المهووسة بالسيطرة تطرد أصحاب الموهبة من مضمار العمل ولربما من مضمار الحياة.
د. يسري الشباسي
١٨ يناير ٢٠٢٣
من خلال تجربتي الشخصية ونظري فيمن حولي من أصحاب المواهب يمكنني القول أن مقولة "التعليم يصقل الموهبة" فيها نظر وتحتاج إلى تفصيل أو إعادة النظر.
دعونا أولا نتعرف إلى حقيقة الموهبة من ناحية وحقيقة المناهج التعليمية من ناحية أخرى لكي ننظر هل يتعاونان أم يتعارضان.
الموهبة في حقيقتها هي نافذة مفتوحة على كنز العلوم الفطرية الكامنة في كل نفس أودعها الله تعالى في ظهر أبينا آدم عليه السلام.
كنز العلوم الفطرية يحتوي على نوعين من العلوم .. العلم الذي علمه ربنا تبارك وتعالى لأبينا آدم ثم إنتقل لذريته .. والعلم الذي إكتسبناه مما رأيناه في الجنة في فترة عالم الذر -
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (الأعراف 172)
هذه العلوم الفطرية بمصدريها هي العلوم الوحيدة التي ليس فيها أدنى شك .. فالأول هو من الخالق سبحانه وتعالى والثاني تم إكتسابه قبل أن يتسلط إبليس اللعين على أبينا آدم وذريته.
الموهبة إذن ينهل صاحبها من علوم لا يشوبها أدنى شك ولذلك تجدها متميزة رائقة لامعة براقة تهفو إليها النفوس وتشتاق.
المناهج التعليمية في حقيقتها هي خليط من خبرات بعض المتخصصين في أحد العلوم بالإضافة إلى بعض التعديل والإنتقاء لأسباب سياسية.
القسم الأول من مصدري المناهج التعليمية الخاص بالخبرات لا يستوفي معايير المصداقية بسبب إنحصاره في بعض المتخصصين وبسبب إنحصاره في فترة زمنية محددة.
أما التعديل والإنتقاء لأسباب سياسية فهو ينسف مصداقية المناهج التعليمية من أساسها.
المناهج التعليمية إذن مصداقيتها متردية جداً خاصة في أزمان التردي السياسي وما أكثرها.
أما الموهبة فهي نبع من كنز العلوم الفطرية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها من العزيز الحكيم.
عندما تضع صاحب الموهبة في صندوق المدارس النظامية بمناهجها ذات المصداقية المتردية فإن ذلك يؤدي إلى أحد أمرين حسب قوة إرادة صاحب الموهبة.
إن كان قوي الإرادة فسوف يترك المدارس النظامية وينمي موهبته بالطريقة الصحيحة أو على الأقل يغلق سمعه وبصره عن العلوم الكاذبة والتي يميز كذبها بفطرته الوهاجة.
أما إن كان ضعيف الإرادة فإن بقاءه في ماكينة التعليم النظامي وعدم فرزه للمناهج التي تملى عليه سوف ينتج عنه نسخة هجينة من موهبة مشوهة.
الطريقة الصحيحة لتنمية الموهبة يختارها صاحب الموهبة ولا تفرض عليه فرضا من أصحاب المناهج التعليمية.
كل صاحب موهبة يعلم بالفطرة ما يحتاج إليه من "أدوات" تمكنه من "تحويل" موهبته من أفكار نظرية إلى وقائع عملية.
صاحب الموهبة لا يحتاج إلى "إضافة علوم" .. بل إلى "إضافة أدوات".
أدوات تحقيق الموهبة تتغير مع الزمن ولذلك لا تجدها في خزانة الكنز الفطري للعلوم والذي ينهل منه صاحب الموهبة.
الطبيب الجراح الموهوب مثلاً تجده يتميز بأمرين :
الأمر الأول هو أنه ينتقي من المناهج الجراحية ما يتماهى مع نبع العلوم الفطرية الذي ينساب من ذاكرته إلى قلبه ويلفظ ما دون ذلك من مناهج طبية.
الأمر الثاني فهو أنه يبحث عن الأدوات الجراحية التي تمكنه من تحقيق ما يأتيه من أفكار علمية طبية .. فإن لم يجدها إبتكرها أو حاول ذلك على أقل تقدير.
لذلك ترى صاحب الموهبة يعاني كثيراً في زمننا هذا الذى ساد فيه الهوس السياسي بالسيطرة على كل الناس تحت شعار "الجودة" .. الجودة هي كلمة حق يراد بها باطل.
المناهج التعليمية النظامية تشوه الموهبة .. والنظم السياسية المهووسة بالسيطرة تطرد أصحاب الموهبة من مضمار العمل ولربما من مضمار الحياة.
د. يسري الشباسي
١٨ يناير ٢٠٢٣
يهمنا رأيك حول الموضوع نرجو وضع تعليق برأيك ...